بسم الله الرحمن الرحيم
البدعة


تعريفها – أقسامها – أقوال علماء السلف في أصحابها

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
أولا: تعريف البدعة والأدلة على ذمها في الشرع:
أ‌- البدعة في اللغة: من بدع الشيء يبدعه بدعاً و ابتدعه أنشأه وبدأه، والبدع الشيء الذي يكون أولا، ومنه قوله تعالى: ( قل ما كنت بدعاً من الرسل)، [ الاحقاف: 9]، والبدع بالكسر الأمر الذي يكون أولا، وبدع أبدع الشيء اخترعه لا على مثال، ومنه قوله تعالى بديع السماوات والأرض)، [ البقرة: 117]، فمدار معنى البدعة في اللغة يدور حول الإحداث والأولية.
وأما في الاصطلاح: فقد وردت تعريفات عدة كان منها أن البدعة هي: الفِعلة المخالفة للسنة. سميت البدعة لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام وهي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون، ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعي.
وقد عرفها الإمام الشاطبي -رحمه الله- بقوله :" فالبدعة إذن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه" .أ.هـ [ الاعتصام للشاطبي :1/37 ] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيضا: " البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب" .أ.هـ [ مجموعة الفتاوى :4/107، 108] .
وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- " البدعة: هي التعبد لله بما لم يشرع" .أ.هـ[ شرح العقيدة الواسطية، للشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-].
ومما تقدم من أقوال العلماء في تعريف البدعة فانه يدل على الفعل المخالف للشرع الكريم.
ب‌- الأدلة على ذم البدع في الشرع الكريم:
لقد ذم الله سبحانه البدعة، وذم أهلها قائلا: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث أمنا عائشة –رضي الله عنها- كما في الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )، وفي رواية لمسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).

فالبدعة مذمومة، مذموم صاحبها، ولو نظرنا إلى الأدلة التي وردت في السنة المطهرة لرأينا حقيقة ذلك بوضوح، ولذلك يمكن أن يضاف من الأدلة على ما تقدم في كون البدعة مذمومة في الشرع، ما يأتي:

1- ما رواه جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا وصوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول ((صبحكم ومساكم )) ، ويقول : ((بعثت أنا والساعة كهاتين ))، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : (( أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) ، ثم يقول : (( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي)) .
2- ما رواه ابن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعاً وموقوفاً أنه كان يقول : (( إنما هما اثنتان الكلام والهدي ،فأحسن الكلام كلام الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ألا وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله )).
3- ما رواه العرباض بن سارية - رض الله عنه - قال : صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، فقال قائل: يا رسول الله ! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن عبداً حبشياً ، فإنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها ، وعضُّو عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )).
4- ما ورد عن ابن العباس – رضي الله عنهما – أنه قال : ((ما أتى على الناس عام ، إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا فيه سنَّة، حتى تحيا البدع وتموت السنن )) . [ مجمع الزوائد (1/188) ، باب في البدع والأهواء . ورواه ابن وضَّاح في كتاب البدع، ص39] .
2. وورد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم )). [ مجمع الزوائد (1/181)، باب الاقتداء بالسلف].
فما تقدم من الأحاديث والآثار ، تدلُّ على أنَّ البدعة لم ترد في الشرع إلا مذمومة، فلذلك على المسلمين اجتنابها، لأنها تشريع جديد لا صلة لها بالدين، وعلى هذا فعلى المسلم أجتنابها وتحذير الناس من دعاتها.

ثانيا: أقسام البدع:

البدع قسمان :
الأول: بدع مكفرة.
والثاني: بدع غير مكفرة.
قال الشيخ بن عثيمين - رحمه الله- " إذا كانت البدعة مكفره وجب هجر صاحبها،
وإن كانت غير مكفره فلا يهجر، إلا إذا كان في هجره مصلحة لان الأصل بالمؤمن تحريم هجره، لقول النبي-عليه الصلاة والسلام-: (لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث ).

ومن الأمثلة على البدع المكفرة: عبادة غير الله.
ومن الأمثلة على البدع غير المكفرة: الاحتفال بالمولد النبوي، إلا إذاكان يدعى في ذلك الاحتفال إلى جعل النبي ندا لله، فحين إذ تنتقل هذه البدعة من البدعة الغير مكفرة إلى البدعة المكفرة .

وعلى هذا فان البدع شر ليس فيها من خير، وذلك أن الدين كمل، كما قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً). فالله تعالى أكمل لنا الدين فلا حاجة لنا بشرع جديد لا بالاحتفال بمولد للنبي -عليه السلام-، ولا بذكرى لغزوة بدر أو الهجرة النبوية ولا غيرها، ولو كانت خيرا لما ترك الاحتفال بذلك من هم أحرص منا على الخير،وأعلم منا به وهم أصحاب رسول الله الذين شاهدوا التنزيل، وكانوا في جوه، وكانوا أسرع الناس بالخيرات -رضي الله عنهم-.

ثالثا: أقوال علماء السلف في أصحاب البدع:

قال الفضيل بن عياض –رحمه الله- : ( من جالس صاحب بدعه لم يعط الحكمة).

وقال أيضا : ( لا تجلس مع صاحب بدعه فإني أخاف أن تتنزل عليك اللعنة) .

وقال أيضا: ( إذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له وإن قل عمله، ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا ، ومن أعرض عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا(.

وقال سفيان الثوري –رحمه الله-: ( من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله، ووكل إليها - أي إلى البدعة-).

فهؤلاء بعض علماء السلف ينهون عن البدعة وعن مجالسة أصحابها، لما في ذلك من خطر البدعة وصاحبها على الدين، كما يدل الكلام السابق من هؤلاء العلماء على عظم إنكار البدع عند علماء السلف،لأنهم علموا ما في البدع من طمس للدين، وذهاب للشرع، والآتيان بدين وشرع لا يعرفه أهل الإسلام.

والله أعلم


وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.