فوائد من تفسير سورة المجادلة للشيخ إحسان العتيبي

بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد من تفسير سورة المجادلة للشيخ إحسان العتيبي

فائدة_1

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [سورة المجادلة : 11]

- أول هذه الآية خطاب من الله تعالى للذين آمنوا أنهم " إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُم " قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إذا سمعت قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا " فأرعها سمعك فإنه إما أمر تؤمر به أو نهي تنه عنه "

- في هذه الآية أمر من الله تبارك وتعالى إنه إن قال لهم القائل سواء أكان صاحب البيت أو صاحب المجلس عموما " إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُم وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا" أي انهضوا وارتفعوا إما لتوسيع المكان للآخرين أو للقيام للجهاد أو للخروج من المنزل كلها اية محتملة لهذه المعاني " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "

- الله سبحانه وتعالى قال : " إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ"

هذا يسميه العلماء مثال من أمثلة الجزاء من جنس العمل

مثال آخر على هذه القاعدة من الكتاب أو من السنة :

(من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا ، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ . ومن يسّرَ على معسرٍ ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ . ومن سترَ مسلمًا ، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ . واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه) .

الراوي: أبو هريرة
المحدث: مسلم
المصدر: صحيح مسلم

- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ "
(يعني وسعوا المجلس ويضم كل واحد على الآخر حتى يكون هناك مجال للقادم الجديد )

- "فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ"
قال العلماء : يفسح الله لكم في قبركم لحديث : ' يفسح للمؤمن في قبره مد بصره '
أو يفسح الله له في جنته
أو يفسح الله له في رزقه
وكذلك يفسح الله له في رحمته

- "وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا"
بعض العلماء قال: الآية هذه في مجالس الحرب، ومنهم من قال في مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، والبعض يقول أنها عامة.
والصواب أنها عامة.

ﻷن الأصل عدم الخصوصية والأصل عموم اللفظ
واللفظ هذا يشمل العموم سواء كان مجلس حرب وقال الإمام فلنقم للجهاد أو صاحب بيت قال انشزوا أي انهضول من عندي
فالصحيح أنها للعموم

- "وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا"
النشوز هو الارتفاع والعلو
ومنه قوله تعالى : " وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ " [سورة النساء : 34]

كيف تنشز المرأة على زوجها؟
ترتفع عنه، لا تستجيب ﻷمره، تخرج بغير إذنه، وتفعل أشياء لا يأمرها بها وينهاها عن أشياء وتأتي بها .
وهنا المعنى أنها تترفع عن طاعته

وكذلك يقول الله تبارك وتعالى : "ۖ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا " [سورة البقرة : 259 ]
يعني نرفع بعضها على بعض ليخلق مرة أخرى الحمار
ومن قرأ "ننشرها" يعني نحييها

فسمى الله تبارك وتعالى القيام نشوزا ﻷن الذي يقوم يرتفع على الأرض ويكون قد قعد ثم يرتفع

- " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"
هل نقول في هذا الجزء من الآية ما قلناه في الأول أن الجزاء من جنس العمل؟

نعم من وجهين:
الوجه الأول : قلنا النشوز هو الارتفاع، فالذي ينشز عن الأرض ويرتفع يرفعه الله تبارك وتعالى فالجزاء من جنس العمل

الوجه الثاني أن هذا فيه تواضع وفيه عدم كبر للاستجابة وهذا ثوابه من تواضع لله يرفعه الله.

- لاحظ أن الذي يرتفع ويستجيب ﻷمر الله تعالى اي إذا قيل له انشز هو المؤمن
لذلك الخطاب جاء للمؤمنين
وغير المؤمن لا يستجيب وإذا استجاب استجاب بكره وبغض
لذلك الخطاب جاء بـ" يا أيها الذين آمنوا" ثم بالثواب قال "يرفع الله الذين آمنوا"

ولذلك الله عز وجل حتى لا يظن إنسان أنه قد انتقص من حقه قال الله تعالى " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات "

- أحيانا إذا قلت للإنسان قم من المجلس يشعر في قلبه أنه قد انتقص حقه
فعلاقة "يرفع الله الذين آمنوا" علاقة وثيقة بما قبلها

أنه هذا لا يعني انتقاص من الحق وأنك استجبت لله تبارك وتعالى فيرفعك الله عز وجل.